فرط التدريب: تحدي الوقاية

يعد مفهوم فرط التدريب غير مكتمل حتى الآن، لذلك وفي ندوة شاركت فيها اللجنة الأولمبية الأمريكية والكلية الأمريكية للطب الرياضي ألقي الضوء على فرط التدريب وتحديات الوقاية منه. وكان الهدف من هذه الندوة إعطاء المدربين واللاعبين لمحة عن فرط التدريب أسبابه وطرق الوقاية منه. وتم جمع معلومات الندوة من خلال خبرات المدربين واللاعبين والمختصين بالإضافة إلى المعلومات المأخوذة من البحث العلمي والخبرات الإكلينيكية والتدريبية.
ومن خلال النقاش الذي شارك فيه الحضور وبخاصة الخبراء خلص المشاركون إلى توصيات اعتمدت على أدلة علمية وخبرات قدمت بصورة حوار مفتوح تم لاحقاً عرضها على الأعضاء لمراجعتها وإبداء الرأي عليها قبل تقديمها بصورتها النهائية.
وما نحن بصدد طرحه هنا هو عرض موجز لهذه الآراء والتوصيات حول موضوع فرط التدريب.
مقدمة :
حطم الرقم العالمي في 10000 متر 8 مرات خلال السنوات الخمس الماضية، أي بتحسن مقداره 3% على الرغم من أن التحسن خلال فترة 30 سنة لم يتجاوز 2%.
وهناك عوامل عديدة ساهمت في هذا التطور في الأداء الرياضي أهمها التدريب إذ أن المدربين طوروا أنفسهم وبالتالي انعكس ذلك على أداء اللاعبين. فالتدريب الذي يتلقاه الرياضيون وخاصة أثناء إعدادهم للمشاركة في المنافسات التي تتطلب التحمل واللياقة البدنية العالية قد ساهم كثيراً في هذا التطور. وبعض المختصين من علماء الرياضة يقدرون أن شـدة التدريب قد زادت في حدود 20% خلال القرن الماضي وسجلت زيادة مئوية أكبر من ذلك في بعض الرياضات، ولكن هناك حدودا لطاقة الرياضي للتحمل والتكيف للتدريب عالي الشدة بمجرد تخطيها سوف يؤدي ذلك إلى إخفاق الرياضي في التكيف على برنامج التدريب ومن ثم ينخفض الأداء مما يقود إلى حالة فرط التدريب. وفي الواقع فإن حوالي 10-20 % من الرياضيين الذين يتدربون بشدة عالية ربما يقعون فريسة لحالة فرط التدريب أو ثبات المستوى. والحقيقة أن الرياضيون الذين يشتكون من حالة فرط التدريب لا يستطيعون الأداء والتدريب في طاقتهم القصوى وربما يشعرون بأعراض مختلفة.
إن مصطلح فرط التدريب بحد ذاته قد يسبب بعض الإرباك وهناك خلافات في تعريفه، فبعض المدربين واللاعبين يعتقدون أنه ليس هناك حدود يمكن بعدها أن يكون التدريب له سلبيات!. وبما أن حالة فرط التدريب يشار إليها في المراجع العلمية بمصطلحات غير ثابتة، بل وغير دقيقة، فالتالي هي بعض التعاريف المستخدمة لخدمة هدف الورقة الحالية:

أ) زيادة الحمل (Overload)
هو عبارة عن زيادة متدرجة ومقننة ومنظمة في التدريب لهدف تحسين الأداء.
ب) الزيادة المفرطة (Overreaching)
هي عبارة عن زيادة مفرطة في الحمل غير مخطط لها وبدون فترات راحة كافية. ينتج من الزيادة المفرطة في التدريب أداء ضعيف في التدريب والمنافسات. ويمكن الاستشفاء بنجاح من هذه الحالة بالراحة الكافية (في حدود بضعة أيام إلى أسبوع أو أسبوعين من الراحة).
ج) فرط التدريب (Overtraining Syndrome)
وهي الزيادة المفرطة في التدريب والتي ينتج عنها انخفاض مزمن في الأداء الرياضي وعدم القدرة على أداء التدريبات، وقد تحدث بعض المضاعفات التي ربما تتطلب العناية الطبية.


ما هي أسباب فرط التدريب؟
قد يحدث فرط التدريب في الأحوال التالية:
1- إذا أخفق اللاعب في التكيف مع الضغوط التدريبية المستمرة وطويلة المدى وعالية الشدة.
2- إذا مارس اللاعب تدريباً عالي الشدة في فترات مبكرة من البرنامج التدريبي وقبل أن يأخذ فترة كافية للتكيف مع الضغوط التدريبية.
3- عدم وجود فترات راحة كافية في البرنامج التدريبي.
4- هناك دلائل تشير إلى أن الزيادة في الحمل التدريبي لمدة 10 أيام فقط يمكن أن ينتج عنها أعراض فرط التدريب لدى بعض الرياضيين.
5- البرنامج التدريبي السيئ، ومثالاً لذلك : زيادة سريعة في حجم وشدة التدريـب وتلاحق فترات التدريب دون راحة كافية مما يؤدي إلى وقوع كثير من اللاعبين في الزيادة المفرطة للتدريب ومن ثم الدخول في دوامة حالة فرط التدريب.
6- إخفاق المدرب في الأخذ في الاعتبار الضغوط الأخرى التي تواجه اللاعب ربما يؤدي إلى زيادة المخاطر.
7- كما يمكن للبرنامج التدريبي المصمم بطريقة ملائمة أن يتسبب أحياناً ببعض المتاعب لبعض اللاعبين، حيث يمكن أن تختلف استجابة اللاعبين لبرنامج تدريبي واحد على الرغم من تشابه مستوى اللياقة البدنية لديهم.

وعندما تتزامن ضغوط أخرى مع ضغط التدريب فإن احتمالية الوقوع في فرط التدريب تزيد، ومن هذه الضغوط ما يلي:
أ) تتابع المنافسات وخصوصاً عندما يتم التركيز على نوعية المجهود، مثلاً، ارتفاع الحجم التدريبي و/أو ارتفاع شدته.
ب) رتابة التدريب والإخفاق في إدخال أيام راحة كافية في برنامج تدريب ذو حجم عال.
ج) الإصابة ببعض الأمراض (مثل الأنفلونزا) مما يؤدي إلى ضعف المناعة لدى اللاعب.
د) التغذية السيئة وخصوصاً تناول كميات غير ملائمة من الكربوهيدرات والسوائل، ولذلك يجب على المدربين أن يثقفوا لاعبيهم عن الغذاء الجيد.
هـ)الضغوط البيئية مثل المرتفعات وارتفاع درجة الحرارة والرطوبة ربما تجعل ضغط التدريب أكبر وبالتالي تؤخر فترة الاسترداد وتساهم في مخاطر فرط التدريب.
و) الضغوط النفسية والاجتماعية وعلاقة الرياضي بزملائه والمدربين والأصدقاء وكذلك العائلة ربما تكون أيضاً مصادر رئيسة للضغوط لبعض اللاعبين، ولكن البحوث تفتقر إلى معرفة إلى أي مدى يمكن أن تساهم هذه الضغوط في فرط التدريب.
ز) السفر والجدول المزدحم ربما يكون أيضاً أحد هذه الضغوط، ولكن البحوث تشير إلى أن تأثير السفر يعتبر معقدا، ولذلك يحتاج إلى أخذه في الاعتبار في ظل العوامل المذكورة أعلاه.

كيفية التعرف على فرط التدريب:
أعراض فرط التدريب:
1) الخاصية الأهم في حالة فرط التدريب هي أنها حالة غير متوقعة من الانخفاض في المستوى أثناء التدريب أو المنافسات بما ليس له علاقة بعوامل المرض والإصابة، وهذا الانخفاض في المستوى ربما يسبق وبفترة ثبات في المستوى ولكن حينها يبذل اللاعب مجهوداً كبيراً فوق العادة للحفاظ على مستواه.
أعراض أخرى:
2) إرباك في المزاجية ( غضب، ضغط نفسي، قلق)
3) تعب عام.
4) فقدان الطاقة والقوة.
5) شعور بالثقل في الأطراف السفلية.
6) التغيرات في انتظام النوم وتغيرات في الشهية للأكل.

وعلى كل مدرب أن يتابع كيف يستجيب كل لاعب للضغوط التدريبية العالية وكيف تكون قدرة هذا اللاعب على تحمل زيادة الحمل التدريبي، لذلك فإن تسجيل المعلومات عن اللاعبين يعتبر أساساً لفهم مدى تحمل اللاعبين لضغوط التدريب. ومن المهم أيضاً أن يتعرف المدربون على حالة فرط التدريب في مراحلها الأولى حتى يمكن التدخل في أسرع وقت ليكون أكثر فاعلية.

الوقاية من فرط التدريب
يمكن خفض أو إزالة مخاطر الوقوع في فرط التدريب من خلال برنامج تدريبي مقنن وموضوع بحرص شديد على أن تكون هناك فترات راحة واسترداد كافية، وخصوصاً خلال الفترات التدريبية التي يرتفع فيها ضغط التدريب، وربما يكون المدرب بحاجة إلى أن يجبر لاعبيه على أخذ فترات راحة كافية وقد يحتاج إلى منع اللاعبين من التعجل في العودة إلى حالة اللياقة البدنية المثلى بسرعة بعد فترة من التوقف.
ويجب أيضا الاهتمام بالتغذية السليمة (وتعويض السوائل) أثناء ذروة التدريب من قبل اللاعبين بشكل خاص. كما أن الكشف الطبي الدوري من الأمور التي يجب الاهتمام بها أيضاً. وأخيراً فإن من الأهمية تنبيه اللاعبين إلى ملاحظة مؤشرات فرط التدريب قبل حدوثه.

العلاج
1) حالة الزيادة المفرطة:
تعتبر الراحة أهم علاج لهذه الحالة فربما يكون خفض ضغوط التدريب كافياً للاستشفاء في بعض حالات الزيادة المفرطة لكن التوقف الكامل ربما يكون ضرورة عند حدوث فرط التدريب، ولكن فترة الراحة لا تعني التوقف التام عن الأنشطة البدنية والذي ربما يكون في حد ذاته مصدراً رئيساً للضغط على اللاعب الذي اعتاد على التدريب اليومي، كما أن الترويح النشط سوف يكون عاملاً مساعداً في فترة الاستشفاء بالإضافة إلى الغذاء الملائم حتى وإن لم يكن هناك تدريب.


2) حالة فرط التدريب:
في حالة الشك في وجود حالة فرط التدريب فلابد من الفحص الطبي حتى يتم التأكد من عدم وجود مرض أو إعياء، وإذا استبعدت هذه العوامل، أي عندما لا يكون لهذه العوامل علاقة فسوف يصبح من الضروري التوقف عن التدريب. وربما تستدعي فترة الاستشفاء من حالة فرط التدريب على الأقل أسبوعين من الراحة، ولكن ربما يكون المصاب بحاجة إلى فترات أطول في الحالات المتقدمة، وكما هو الحال في الزيادة المفرطة فإن الراحة لا تعني التوقف تماماً عن النشاط البدني. وفي الواقع فإن تخطيط برامج الترويح يعتبر مهماً للأفراد الذين تعودوا على حياة نشطة. ويفترض أن تكون معاودة التدريب فردية وهذا بسب انعدام المؤشر العالمي على انتهاء فترة الاستشفاء من حالة فرط التدريب. كما أن متابعة الرياضي ومدى استجابته للتدريب مهمة، حيث أشارت الأبحاث إلى أن 80% من اللاعبين الذين يعانون من حالة فرط التدريب يعانون أيضاً من ارتفاع في الضغوط النفسية، وعلى هذا يوصى في مثل هذه الحالات المرضية بتدخل الأخصائي النفسي. أما في الحالات المرضية الناتجة عن زيادة الحمل مثل التهابات الشعب الهوائية فلابد من استخدام العلاج الملائم. وبما أن فرط التدريب ينتج عنه في الغالب انخفاض الشهية فإن الغذاء الملائم يعتبر أمراً ضرورياً.